١٦ شوال ١٤٤٤ هـ
أوجه الشبه والاختلاف بين فرعون وطغاة اليوم وهل يكون فرعون أفضل منهم؟
بقلم الدكتور سعد الفقيه
يتفاوت الطغاة في حالتهم النفسية وطريقة كلامهم ونظرتهم لشعوبهم وطريقتهم في التعامل مع الموالين والمخالفين. والقرآن يعطينا نموذجًا أقصى للطغيان وهو (نموذج فرعون) الذي يجسّد فكرة الاستبداد الامتلاكي الذي يعتقد فيه الحاكم أنه مالكٌ للأرض والشعب والثقافة والدين والقانون وكل شيء.
تكرر (النموذج الفرعوني) في التاريخ بأشكال ودرجات مختلفة، وليس غريبًا أن نراه في كثير من البلاد العربية وعلى رأسها بلاد الحرمين. ويمكن من خلال اعتبار طغيان فرعون معيارًا (مسطرة) للاستبداد أن نقيس مستوى طغيان الحكام في بلاد الحرمين؛ فقد تظهر لنا مفاجآت يتبين فيها أن فرعون كان متفوقًا كرجل دولة على حكامنا!
تحدث الكثير من المفكرين عن تشابه فرعون مع طغاتنا في كثير من الأمور، منها: الاستخفاف بالشعب، والحاجة لأركان السلطة متمثلين في رجال الدين والإعلام والقمع، و في تقسيم الناس شِيعًا وتسليط بعضهم على بعض، وفي احتقار المخالفين وتوجيه الاتهامات الكاذبة لهم، وفي إلزام الناس بعقيدة معينة وفكر معين، وادعاء كونه سببا لحفظ الأمن والنظام، وفي المنة على الشعب وأمور أخرى كثيرة.
أمام هذا التشابه، هناك الكثير مما يختلف فيه فرعون عن طغاتنا، وربما يكون له الأفضلية في التقويم كرجل دولة أو حاكم متمكن. و بتحليل سريع لتعامل فرعون مع موسى وقومه ربما تظهر مفاجآت لم تخطر في البال تشير إلى أن طغاتنا أسوأ وأقبح من فرعون.
الاستعداد للمناظرة
حين تحدى موسى فرعون بالمعجزات التي معه، كان لديه كامل الاستعداد أن يتبارى معه في قدراته أمام الناس. فهو
أولا: تحدى موسى بالسحرة {قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله}.
وثانيًا: استعدَّ لأن يتم هذا التحدي أمام الناس {فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}.
وثالثًا: وافق على طلب موسى أن تكون المباراة في أفضل فرصة لاجتماع الناس وهي يوم عيدهم العظيم {قال موعدكم يوم الزينة}.
ورابعًا: وافق أن يكون الوقتُ وجهَ النهار حين يرتفع الضحى حتى يرى الناس كلهم الحدث بوضوح {وأن يحشر الناس ضحى}.
قارن هذا بطغاة هذا الزمن الذين يستحيل أن يواجهوا المصلحين وأصحاب كلمة الحق في مناظرة أو جدل علني ولا يتفاهمون معهم إلا بالسجون والتعذيب. فهل من شك أن فرعون هو المتفوق في هذا المقياس؟
التصريح بالاعتقاد دون نفاق
حين تحدّث فرعون عن نفسه لم يتلاعب بالألفاظ حتى يتصنّع المساواة أو العدل أو احترام عقائد الناس، بل تكلم بكل ثقة في قوله {أنا ربكم الأعلى}، وقوله: {ما علمت لكم من إله غيري}، وقوله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}، وقوله: {آمنتم له قبل أن آذن لكم}.
الطغاة في بلادنا يمارسون عمليًا دور الألوهية والربوبية ويَملكون الأرض وما عليها ويتحكمون بعقائد الناس، ويضعون لهم القوانين، لكنهم يستحيل أن يجرؤوا على التصريح بأنهم آلهة. بل هم يدّعون العكس، يدّعون تطبيق الشرع والالتزام بالقانون وإقامة العدل والحرص على المساواة، ويستحيل أن يجرؤ أحد منهم على الحديث بنفس الثقة والشفافية التي تحدث بها فرعون. فهل هناك شك أن فرعون هو المتفوق في هذا المقياس؟!
الدولة العظمى والدولة التابعة
فرعون كان حاكمًا لدولة عظمى، يقرر مصير دولته ومصير جزء كبير من العالم في زمانه، لا تتحكم به دولة أخرى ولا هو مضطر لمداراة أحلافِ أو نفوذ حكام آخرين؛ وبهذا كان قراره نابعًا من ذاته ليس من تبعيةٍ لأحد ولا ضغوطٍ دولية أو تنافس قُوى عظمى.
طغاتنا في المقابل كلهم يدورون في فلك الدول العظمى ويُنفّذون اجندتها ويجعلون بلادهم خادمة لمصالحها حتى صار يُطلق عليها "الدول الوظيفية". فهل من شك أن فرعون هو المتفوق في هذا المقياس؟
الشجاعة والقيادة
حين تعامل فرعون مع موسى تعامَل معه بشجاعة أدبية وشجاعة حربية؛ ففي مقابلته ومناقشته واجهه بنفسه وتحدث معه أمام الملأ بكل ثقة واسترخاء. وحين تسلل موسى مع بني إسرائيل خارجًا من مصر جمع فرعون الجيش وقاده بنفسه بل ومشى بين "الطودين" حتى هلك!
أما طغاتنا فيستحيل أن يواجهوا أحدًا في نقاش علني، ويستحيل أن يَظهروا في تجمعات علنية إلا خلف أسوار وصفوف متراصة من الحرس والجنود. أما القيادة العسكرية فهم لا يحسنون حمل السلاح فضلا عن أن يكونوا في المقدمة في قيادة عسكرية. فهل من شك أن فرعون هو المتفوق في هذا المقياس؟
حرية النشاط المالي والتجاري
إذا كان قارون من قوم موسى وقد بلغ مبلغ المليارديرية تحت سلطة فرعون؛ فهذا دليلٌ على أن فرعون وفّر حرية النشاط المالي حتى لو كان لتاجر من بني إسرائيل: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة}، ولم تكن أموال قارون لتصل هذا المستوى لو أن فرعون يُصادر أموال التجار ويتحكم بالتجارة.
في المقابل يتحكم طغاتنا بكل النشاطات المالية في البلد ويُعطون أنفسهم حق مصادرة الأموال من أي رجل أعمال دون قانون أو محاكم أو شريعة. وفي السنوات الأخيرة لم يكد الطاغية في بلاد الحرمين أن يترك تاجرًا أو رجل أعمال أو شخصًا غنيًا إلا وأجبره على التخلي عن جزء كبير من ماله. فهل من شك أن فرعون هو المتفوق في هذا المقياس؟
من المتفوق؟
وهكذا، فإن فرعون رغم أنه رمز الطغيان فإنه تفوق على طغاتنا في ثقته بنفسه وشجاعته، وصراحته، واستقلاليته، واستعداده للمناظرة والتحدي، والسماح بالنشاط التجاري وإكرام قومه.