top of page

٢٥ جمادى الآخرة ١٤٤٥ هـ

جيفري ابستين وسقوط أمريكا

بقلم الدكتور سعد الفقيه

ابستين وترمب عَرَضٌ لمرض

تمثل تفاصيل حادثة جيفري ابستين فضحاً لمجموعة من الإشكالات الكبيرة في المنظومة الغربية عموما والأمريكية خصوصا. كانت هذه الفضيحة الهائلة بمثابة رفع الغطاء عن حقائق خطيرة قد غطتها آلية النفاق الفعّالة في السلطة والمجتمع وفشل الرقابة الضميرية كبديل عن القانون العاجز. هذا فضلا عن انكشاف النظام للتغلغل الصهيوني الذي تمكن من المؤسسات الأمنية والقضائية فأطلق العنان لجفري أبستين يعبث بالأطفال جنسياً ويتحكم بكبار القوم سنين طويلة.


وقبل وبعد ابستين كشفت مسيرة ترمب كمية النفاق والغش والصفاقة في المؤسسات السياسية وقابلية المجتمع الأمريكي للاختراق العاطفي وكثرة الثغرات في القضاء الأمريكي التي تجعل القوي والغني قادرا على التحكّم بالجماهير وتعطيل أو تأخير القضاء أو التلاعب به.


لماذا الآن؟

مرت أمريكا بتحديات هائلة تمكنت من تجاوزها بجدارة، بدءا بالحرب الأهلية ثم ثورة المزارعين، ثم الحرب العالمية الأولى، ثم الكساد العظيم، ثم الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة وحرب فيتنام وأزمة كوبا وبقية الحرب الشرسة مع الشيوعية. ولم يكن الباحثون وقتها يتحدثون عن ضعف أمريكا لأنها كانت في صعود متواصل وقدرة على تحويل التحديات إلى مزيد من القوة حتى ختمتها بحرب الخليج وسقوط الاتحاد السوفيتي وتفردها بقيادة العالم لفترة من الزمن.


لم يفطن المراقب العابر لمشاكل أمريكا إلا بعد أحداث سبتمبر وهزيمتها في العراق وأفغانستان والأزمة النقدية في ٢٠٠٨ ثم ما تلا ذلك من مشاكل كان آخرها فضيحة ابستين وفوضى ترمب. لكن عددا من المفكرين والمؤرخين وعلماء الاجتماع والاقتصاد استشرفوا تدهور أمريكا قبل ذلك من خلال قراءة المجتمع الأمريكي ونظامه السياسي والاقتصادي وطريقة تعامل أمريكا مع توسعها الإمبراطوري.


الكثير تنبأوا

من الذين استشرفوا ضعف أو سقوط أمريكا من منظار اقتصادي المؤرخ الاقتصادي بول كينيدي في كتابه "نهوض وسقوط القوى العظمى" ، والمحلّلان الاقتصاديان هاري فيجي وجيرالد سوانسون في كتابهما "سقوط أمريكا قادم فمن يوقفه" و الخبيران الاقتصاديان إيريش فولات وجيرهارد شيرول عبر نشرة في صحيفة دير شبيغل، و رونالد وايت في كتابه "صعود وهبوط أمريكا كقوة عظمى"، والباحث الاقتصادي الألماني لوثار كامب في افتتاحية صحيفة بورسين الدنماركية المتخصصة بِأسواق المال، ونعوم تشومسكي في كتابه "وداعا للحلم الأمريكي" وكتابه "ماذا يريد العم سام ؟" وكلامه عبر عدد كبير من المنشورات والمقالات والمقابلات التلفزيونية والصحفية .


ومن الذين استشرفوه من منظار اجتماعي وأخلاقي زبيغنيو بريجنسكي في كتابه "خارج نطاق السيطرة أو الانفلات" ، وفي مقابلته مع يورونيوز قبيل وفاته في ٢٠١٢ والتي أكد فيها على نهاية الهيمنة الأمريكية، والبروفيسور الفرنسي روجيه غارودي في كتابه "أمريكا طليعة الانحطاط"، والخبير الفرنسي إيمانويل تود في كتابه "ما بعد الإمبراطورية".


ومن الذين استشرفوه من منظار أمني واستراتيجي العالم النرويجي يوهان غالتونغ في ورقة نشرها في ٢٠١٥ بعنوان "بين يدي انحسار ثم سقوط الولايات المتحدة". ويعتبر توقع الأخير مهمّاً لأنه سبق أن تنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي وهو في أوج قوته وتحققت نبوءته.


لماذا أمريكا وليس أوروبا؟

إذا كانت الدول الأوروبية قد تمكنت من البقاء بثقل سياسي واقتصادي عالمي رغم انحسار نفوذها الإمبراطوري فلماذا لا تصمد أمريكا مثلها؟ السبب هو أن تركيبة أمريكا السياسية والاجتماعية تختلف جذريا عن الدول الأوروبية في مفاصل أساسية مما تحتاجه الدول للبقاء.


الفرق الأول: النشأة والانتماء والهوية

لم تنشأ أمريكا كقومية انبثقت منها دولة تشكلت بطريقة تلقائية كما هو الحال في الدول الأوربية، بل نشأت بولايات قليلة وبطريقة آلية إجرائية تحت مظلة الدستور، ثم استغرقت سلسلة انضمام الولايات الأخرى بنفس الطريقة الآلية حوالي ٥٠ سنة. هذه النشأة المصنوعة هي بمثابة تفاهم سياسي فوقي، أكثر منها اندماج أو ذوبان في هوية قومية واحدة بطريقة تلقائية.


هذه الحكاية في التكوين الغريب للوطن عند نشأة أمريكا، جعلت الانتماء مصطنعا والهوية متكلفة في الوجدان الأمريكي، مقابل الانتماء الطبيعي والهوية الواضحة في المواطنة عند الدول الأوروبية ومعظم دول العالم. ولهذا السبب ترى الأمريكي يعيش هاجس الانتماء فيعوضه بالشكليات والإكثار من رفع العلم الأمريكي، والتغني بمجد أمريكا بمناسبات لا تمت بصلة للوطنية. وفي مقارنة لتوضيح الصورة لا ترى من يرفع علم دولته في أوروبا إلا في مباريات كرة القدم، لأنهم ليسوا بحاجة لإثبات هويتهم وانتمائهم.


والانتماء المصطنع الذي يترجم بطريقة مسرحية قابل للانحسار بسهولة إذا تعرض لهزة كبيرة لسبب سياسي أو عسكري أو أمني أو اقتصادي. وقد شاهدنا ذات العلم الأمريكي -الذي يرفع بشكل مصطنع- يُحرق في بعض المظاهرات المعادية للعنصرية. ولعل فشل النظام الفيدرالي في حسم الخلاف بين الشمال والجنوب، ولجوء الطرفين للحرب لحسم النزاع، دليل على محدودية قدرة النظام الفيدرالي على احتواء الوطن.


الفرق الثاني: تلاعب اللوبيات

بقدر ما في النظام الفيدرالي والدستوري من إتقان فإن فيه ثغرات تمكّن الجماعات المنظمة القادرة على التآمر من خطف جزء كبير من الدولة لصالحها. ومن هنا تمكن لوبي اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني ولوبي النفط والسلاح والمال من تغليب مصالحهم على المصلحة العليا للولايات المتحدة.


هذه الثغرات لم تكن واضحة حين وُضع النظام في نهاية القرن الثامن عشر لاستحالة استخدامها أيام الخيل والعَربة، ولم يتبين أن استخدامها ممكن إلا بعد وسائل المواصلات وآليات الإعلام الحديثة. ومنذ مطلع القرن العشرين والكيان الفيدرالي يتنقل بين اللوبيات، حتى انتهى به المطاف تحت السيطرة الكاملة للصهاينة. نعم توجد لوبيات في الدول الأوروبية لكنها لم تستحوذ على أصل التركيبة السياسية والاجتماعية ولا تزال تحت نظر المجتمع الأصلي.


الفرق الثالث: أمية الشعب

يغلب على الشعب الأمريكي الأمية السياسية، ومعظمهم لا يعرفون شيئا عن العالم، بل لا يعرفون شيئا خارج ولايتهم. وإذا كان المواطن لا يعرف شيئا عن الواقع السياسي والاقتصادي ولا يهتم بالفوارق بين الأطروحات المختلفة للسياسيين فكيف يكون له دور مسؤول في الانتخاب والمشاركة السياسية؟


والأمية السياسية هي مما استثمرته اللوبيات لتوجيه الشعب بالطريقة التي تريد، من خلال استخدام الإعلام والتحكم بهذه الجموع مستغلة جهلها. ولذلك فإن الكثير من المواطنين الأمريكان لا يهتمون بالنشاط السياسي إلا في حدود المجلس البلدي أو كونجرس الولاية أو في حدود العناية الصحية والوظائف وأسعار المحروقات. أما القليل الذي يهتمون بانتخابات مجلسي الكونجرس والانتخابات الرئاسية فإن مقاييسهم ليست منطلقة من علم ومعرفة، بل من اهتمامات محدودة تعرف قيادات اللوبيات كيف تتلاعب فيهم من خلالها.


والشعوب الأوروبية تتفوق على أمريكا في الثقافة السياسية والوعي بالواقع الوطني بدرجات متفاوتة، ورغم أنها ابتليت حديثا بالشعبوية والضّحالة السياسية ألا أنها لا تزال أفضل من المجتمع الأمريكي في مستوى الوعي.


الفرق الرابع: عدم استقرار المجتمع

من المظاهر المعروفة في أمريكا حداثة المجتمعات، بمعنى أن أفراد المجتمع والأسر جديدة على بعضهم بعضا، سواء كانوا مهاجرين قادمين من خارج أمريكا أو متنقلين داخل أمريكا. ولا يكاد يوجد مجتمع مستقر داخل أمريكا في إلا في بعض القرى والمدن الصغيرة.


يعتقد البعض أن هذه الحداثة تعطي حيوية وديناميكية للمجتمع الأمريكي، لكن الحقيقية أن غياب الاستقرار ومن ثم قِصَر أمد العلاقة بين الناس يحرم المجتمع من التفاهم بطريقة منسجمة، ويشعر الجميع بأنه غريب على الجميع. ولهذا السبب فإن غالب النشاطات الاجتماعية في المجتمعات الأمريكية مبنية على الوضع المؤقت، وليست مبنية على استقرار وملازمة تاريخية.


هذه الغرابة تضعف العقل الجمعي وتزيد الأنانية وتقلل المسؤولية العامة، ومن ثم تؤثر على تماسك الدولة وقوتها. في المقابل فإن الشعوب الأوروبية  مستقرة وعريقة في التشبث بالقرى والمدن التي توجد فيها حتى إن بعض الممتلكات العقارية يعود تاريخها لمئات السنين لنفس العائلة. هذه العراقة والاستقرار ترسّخ  الانتماء والهوية وتؤكدّ المسؤولية الجماعية.


الفرق الخامس: تقديس السلاح

يقدّس المجتمع الأمريكي السلاح، ويعتبر الحق في اقتناء وحمل السلاح واستخدامه والتدرب عليه حقّا طبيعيا، ولذلك جاء النص عليه في الدستور الأمريكي. وأصل فكرة تقديس حمل السلاح مبدأ فلسفي جيد، مبني على منع الدولة من التغول على الشعب. لكن يبدو أن الفكرة لم تحقّق شيئا في منع هذا التغول كما ذكر أعلاه في الحديث عن التركيبة السياسية. ولهذا فإن انتشار السلاح واستخدامه لن يخدم هذه الفكرة، بقدر ما يخدم ارتفاع نسبة الجريمة وتكرار ظاهرة القتل الجماعي وفرصة الفوضى لو انحسرت هيبة السلطة الفيدرالية أو المحلية. هذا بخلاف أوروبا حيث تضع الدول الأوربية قيودا شديدة على حمل السلاح والذخيرة واستخدامها وتمنع تشكيل الميليشيات المسلحة.


ورغم الحرب على الإرهاب والهاجس الأمني الذي سيطر على مفاصل الحياة في أمريكا، فلا تزال الميليشيات المسلحة تتمتع بالشرعية، بل وتحولت إلى تجارة ومؤسسات مالية محلية وعالمية. هذه المفارقة بين المبدأ الذي من أجله قَدّس الدستور الأمريكي حمل السلاح وبين نتائج انتشار السلاح، إنما هي نموذج آخر من التناقضات الكثيرة بين المبادئ والواقع في الحياة الأمريكية والتي توفر الأرضية لتفكك الدولة.


الفرق السادس: التطّرف الرأسمالي وتغوّل النشاط النقدي

يتبنى الأمريكان الرأسمالية بطريقة عقائدية، تشتمل على نوع من الإرهاب الفكري ضد أي توجه اشتراكي. هذا التطرف الرأسمالي يعطي مساحة كبيرة للنشاط "النقدي" المجرد، فيتضخّم إلى درجة يبتلع فيها النشاطات التجارية والصناعية والخدماتية والمعلوماتية والبحثية. وبما أن النشاط النقدي غير منتج بل هو تلاعب ظاهري بالأرقام، فهو طريق مضمون للدمار الاقتصادي. هذا التضخم في النشاط النقدي والاقتصاد الوهمي يعتبر من حتميات التطرف الرأسمالي، ولا يمكن تفاديه إلا بالتخلص من تقديس الرأسمالية.


من جهة أخرى يعتقد بعض الاقتصاديين أن أحد عوامل بقاء أمريكا قوة عالمية هو فرض عملتها الدولار في تبادل السلع العالمية وخاصة النفط. هذا التوسع الشكلي للدولار يضيف إلى اعتمادها على النشاط النقدي ويعطي الحكومة حق طبع العملة بلا رصيد ولا مبالاة فيجعل الدولة كلها في انتظار قنبلة مالية موقوتة أقوى مما حدث في ٢٠٠٨ عدة مرات.


أوروبا خففت كثيرا من الرأسمالية من خلال برامج الضمان الاجتماعي ومسؤولية الدولة عن الصحة والتعليم وخدمة الضعيف والعاطل والمعاق، لكنها لم تتمكن من الخروج من مشكلة النشاط النقدي وأصابها ما أصاب أمريكا في ٢٠٠٨ لكن بدرجة أقل.


الفرق السابع: التفاوت الطبقي

تثبت الإحصائيات تفاوتا طبقيا هائلا في المجتمع الأمريكي، وفي إحصائية حديثة يمتلك ١٪ من الأمريكان أكثر مما يمتلكه خُمس الشعب الأمريكي، و١٠٪ دخلهم أكبر من دخل نصف الشعب الأمريكي. هذا التفاوت يزرع الأحقاد والضغائن ويوسع الفجوة النفسية الهائلة بين الطبقات. ولا يقتصر هذا التفاوت على الدخل فقط بل هو في فرص العمل والدراسة والمناصب السياسية رغم القوانين التي تلزم بتساوي الفرص.


أوروبا في المقابل خففت كثيرا من هذه الطبقية من خلال برامج الضمان الاجتماعي وحماية النشاطات التجارية الصغيرة وفرض الضرائب الهائلة على المؤسسات المالية الكبرى فتقلص الفارق كثيرا.


ما الذي يؤدي إلى سقوط أمريكا

العوامل التي طرحت في الدراسات والكتب التي تناولت مستقبل أمريكا كثيرة ومعقدة، لكن يمكن جمعها تحت بندين: عوامل استراتيجية غير مباشرة تحفر في كيان أمريكا منذ زمن، وأحداث مباشرة تكون سببا في الانهيار السريع الذي يكون بمثابة حصاد للعوامل الاستراتيجية.


العوامل غير المباشرة "الاستراتيجية"

  • توسع الالتزامات العسكرية أكثر من قدرة الدولة ماديا وبشريا، وفضلا عن مئات القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العالم كله، فإن أمريكا دائما تشغل نفسها بحروب بشكل مباشر أو غير مباشر ويستحوذ إنفاقها العسكري على حصة الأسد من الميزانية الفيدرالية.

  • الدخول في مواجهة مع قوى "شبحية" فيما يسمى الحرب غير المتوازية في معركة طويلة غير معروفة الأهداف. وحتى بعد انحسار ما يسمى بـ "الإرهاب" فإن التغيّرات التي حصلت من أجل التعامل معه لا تزال تعمل بكل طاقتها.

  • تنامي تكلفة الأمن الداخلي ماديا وبشريا و نفسيا وقانونيا، وهذا لا يقتصر على زيادة كوادر الإف بي آي وميزانيتها بل يشمل مضاعفة الاحتياطات الأمنية في المطارات والموانئ ومنافذ الدولة والبريد والنقل وكل ما يمكن أن يتأثر بما يسمى "إرهاب".

  • التخلي عن العدل والحريات كثمن لتحقيق الأمن الداخلي وسيطرة الهاجس الأمني على الحكومة والناس، وكما قال أحد الرواد المؤسسين لأمريكا بنيامين فرانكلين: "أولئك الذين يتخلون عن الحرية من أجل الأمن لا يستحقون الأمن ولا الحرية".

  • احتدام المنافسة الاقتصادية العالمية وخاصة مع الصين والهند ودول أخرى، حيث خسرت أمريكا المعركة في كثير من المنتجات والخدمات، وهي في طريقها لخسارة الباقي.

  • الانهيار الأخلاقي والاجتماعي وتفكك الاسرة وانتشار الأنانية وانحسار المسؤولية الوطنية والاجتماعية واستمرار الاستهلاك الخرافي الذي يعتبر ثقافة راسخة في المجتمع الأمريكي رغم تنامي الصعوبات المالية.

  • نجاح الجماعات الخاصة في خطف الدولة وتشغيل ماكنتها المالية والعسكرية والسياسية لصالحها، وخاصة اللوبي اليميني والصهيوني و لوبي السلاح والنفط والمال.

  • التطرف في الممارسة الرأسمالية بطريقة جعلت البنوك ونشاطات المال والاقتصادي الوهمي تستحوذ على التنمية والإنتاج بدلا من الاقتصاد الحقيقي.

  • التعامل مع العالم بكبرياء وغطرسة والاستهتار بالخصم، مما أدى لخلق عداوات في العالم كله ونشوء تكتلات قوية ضد الهيمنة الأمريكية.

  • الاعتماد على إرهاب القوة العسكرية والحصار الاقتصادي كوسيلة لفرض السياسات بدلا من وسائل الإقناع السياسي والدبلوماسي.

  • تنامي الشعبوية واستثمارها بشكل أقصى من قبل ترمب وأمثاله واستخدامها لأجل صناعة إرهاب اجتماعي وإعلامي وتوفير المناعة له في مواجهة النظام والقانون والأعراف التي تحمي الاستقرار.


الأسباب المباشرة لضعف أمريكا أو سقوطها

يصعب التنبؤ بالتفاصيل الدقيقة للأحداث المباشرة التي تؤدي إلى ضعف أمريكا أو سقوطها، لكنها غالبا ستكون بمثابة تطور منبثق من أحد الأسباب المذكورة أعلاه.  قد يتصاعد الصراع بين ترمب وجمهوره من جهة و"الدّولة" بمؤسساتها وقضائها من جهة أخرى، وقد يؤدي توسع الحرب في غزة أو انتصار الروس على أوكرانيا لتداعيات سياسية وأمنية واقتصادية، وقد يؤدي الصراع مع الصين على تايوان إلى مواجهة أو ابتزاز صيني لأمريكا، وقد تتكرر أزمة نقدية شبيهة بأزمة ٢٠٠٨ لكن بحجم أكبر، وقد يؤدي حادث عنصري أو أمني إلى تصاعد مواجهة داخلية لا تستطيع السلطات احتوائها، أو تنفجر مشكلة كبرى خارج إطار هذه الاحتمالات ولكن تحت مظلة الأسباب الاستراتيجية.


على المدى القريب ربما  تكون مآلات قضية ترمب أقربها للتحقق، لأن كل مسارات نشاط ترمب فيها مواجهة ممزِّقة للوضع في أمريكا. إذا نجح ترمب في تجاوز كل العقبات ووصل للرئاسة فسوف تتكرر في أمريكا  تجربة هتلر حين وصل للسلطة بطريقة ديمقراطية ثم استبد بها وحرق ألمانيا. وإذا لم ينجح فربّما يحرض جمهوره ضد المؤسسات الحكومية وضد القضاء ويُدخِل أمريكا في صراع تفقد فيه المؤسسات مصداقيتها وتتجه الدولة للانهيار.


وعلى كل حال فهذه تقديرات بشرية والأمر بيد الله، لكن سنن الله لا تخطيء ودولة تكبرت وطغت مثل أمريكا سيعجل الله زوالها.

bottom of page