١٣ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ
لينينغراد ليست أكرم على الله من غزة
بقلم الدكتور سعد الفقيه
قرر هتلر غزو روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، ووجه لها ثلاث جيوش أهمها الجيش الذي توجه إلى سانت بطرسبرغ التي كانت تسمى وقتها لينينغراد. كان الاتحاد السوفيتي وقتها في أضعف حالاته عسكريا فلم تجد القوات الألمانية صعوبة في الوصول إلى المدينة التي كان هتلر ينوي تدميرها بالكامل.
أحاط مئات الآلاف من الجنود بالمدينة ومعهم آلاف الدبابات والمدافع فضلا عن القصف الجوي بالطائرات، وساهمت القوات الفنلندية في الشمال بإكمال الطوق. بدأ حصار لينينغراد الشهير الذي استمر ٩٠٠ يوم تقريبا، ولم يكن مجرد حصار بل كان قصفا متواصلاً على مدى هذه المدة و ومعارك مستمرة على الحدود وتوغل بطيء في المدينة.
نفذت الأغذية في وقت مبكر من الحصار وعصف الجوع بالسكان حتى أكلوا جثث الموتى وتعرضت المدينة لصقيع روسيا القاتل دون توفر مواد التدفئة، واستمر القصف طيلة مدة الحصار حتى سقط على المدينة أكثر من ١٥٠ ألف قذيفة دبابة ومدفعية و١٠٥ ألف قنبلة حارقة من الطائرات.
دمر القصف ٣ آلاف مبنى تدميرا كاملا و٧ آلاف مبنى تدميرا جزئيا وقضى على ٩٠٪ من المدينة وبنيتها التحتية ومخازنها ومصادر الوقود فيها. أدى الجوع والبرد والقصف إلى مقتل أكثر من مليون شخص بينهم ١٤٠ الف طفل، ولم تنته المجازر إلا بعد رفع الحصار حيث كان الدمار والموت في كل مكان.
لم يكن لدى سكان لينينغراد إلا البنادق ومدافع الهاون وذخيرة محدودة نفذ معظمها في وقت مبكر فاضطر أهالي المدينة لابتداع وسائل في صناعة ذخيرة جديدة بالامكانات المتوفرة. هذا فضلا عن أن معظم سكان المدينة لم يكونوا عسكريين ولا متدربين وكثير منهم ما بين جريح ومريض أو عاجز أو طفل.
تقلصت مساحة المدينة بعد تقدم الألمان في الحصار إلى أن لم يبق منها إلا مساحة لا تزيد عن مساحة غزة. كما تقلص عدد السكان بسبب وفيات الجوع والبرد والقصف حتى صار أقل من سكان غزة. ولم يكن للمدينة نافذة للتموين إلا عن طريق بحيرة لادوغا الواقعة دائما تحت قصف الألمان.
ورغم كل هذه الصعوبات الهائلة والجوع والبرد والتفوق المطلق للقوات الألمانية صمد سكان لينينغراد إلى أن جاءهم المدد بعد ما يزيد عن السنتين. تمكن سكان المدينة من الصمود بدافع واحد فقط هو مقاومة المحتل. لم يكن لديهم دين ولا أي دافع روحاني بل كان السائد هو الفكر الشيوعي الذي يستبعد الأديان والروحانيات.
الرسالة هنا هي: ما دام شيوعيون قد تمكنوا من الصمود والقتال تحت هذه الظروف الساحقة بدافع واحد فقط هو مقاومة المحتل ثم انتصروا، فمن باب أولى ينتصر المقاوم الموحد لله المتبع لنبيه صلى الله عليه وسلم، والذي بذل ما يستطيع في الدفاع عن دينه وأمته، والمجتهد بالأخذ بأسباب النصر والتمكين، والمبدع في الإعداد لهم بما يستطيع من قوة.
ومعهم قوله تعالى (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما)، وقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)
والنصر أكيد وقريب بعز عزيز وذل ذليل